المحكمة الدستورية في تونس: بين النص الدستوري والفراغ المؤسسي -
بيان بشأن شبهات تعذيب السجين ريان الخلفي وضرورة تفعيل آليات الرقابة المستقلة


نحن، جمعية المساءلة الاجتماعية، نتابع ببالغ القلق ما ورد في شهادة محامية بتاريخ الجمعة 2 ماي 2025 حول الحالة الجسدية والنفسية الحرجة التي وُجد عليها السجين الشاب ريان الخلفي، البالغ من العمر 19 سنة، والمودع بالسجن المدني ببنزرت منذ ثلاثة أسابيع على خلفية قضية تتعلق باستهلاك مادة مخدّرة.

وفي المقابل، أصدرت وزارة العدل في ذات الليلة بلاغًا رسميًا نفت فيه صحة هذه المعطيات، مشيرة إلى أن النيابة العمومية أذنت بإخراج السجين لمعاينته مساء نفس اليوم، دون ملاحظة آثار عنف على جسده. كما تم الإعلان عن مباشرة إجراءات تفقد إداري داخلي، والطعن في مصداقية الصورة المتداولة، مع التلويح باتخاذ إجراءات قانونية ضد ناشري "الادعاءات المغلوطة".
وإذ نُسجّل هذا التفاعل، فإننا ندعو في هذا السياق إلى تفادي تضارب المعطيات والتصريحات بين مختلف الأطراف الرسمية والمهنية، وتجنب التسرع في إصدار المواقف أو البلاغات قبل استكمال التثبت الموضوعي من الوقائع، لما لذلك من أثر سلبي على ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وعلى مسار العدالة ذاته.

إن إخراج السجين ليلاً، وفي غضون وقت وجيز بعد نشر التدوينة، يُثير تساؤلات مشروعة حول مدى احترام الإجراءات القانونية السليمة، خاصة فيما يتعلق بوجود إذن قانوني، تأمين النقل، وفتح مقر المحكمة ليلاً. كما نسجّل بقلق غياب طبيب شرعي أو خبير نفسي خلال المعاينة، وعدم إشراك المحامية صاحبة التبليغ في الإجراء، ما يُضعف من شفافيته وحياده.

نُذكّر أن الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، المحدثة بموجب القانون الأساسي عدد 43 لسنة 2013، تُعد الهيكل الوطني المستقل المسؤول عن الوقاية من التعذيب ومراقبة أماكن الاحتجاز. وينص:
الفصل 13 من القانون على أن للهيئة حقّ القيام بزيارات فجئية ودورية دون سابق إعلام وفي أي وقت إلى أماكن الإيقاف.
الفصل 14 يُلزم جميع السلطات بتمكين الهيئة من النفاذ الكامل إلى الأشخاص والمعلومات والسجلات، دون عوائق أو قيود.
بناءً عليه، نؤكد أن الجهة الوحيدة التي يمكن أن تُحقق في هذه الشبهات بشكل مستقل ومحايد هي الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، ونطالب بتمكينها من ممارسة دورها دون تعطيل أو تدخل.

نعبّر عن استنكارنا الشديد للغة التهديد التي تضمنها بلاغ وزارة العدل ضد من قام بالتبليغ عن الانتهاك، ونعتبرها تهديدًا غير مباشر للمحامية ولعائلة السجين. إن التبليغ عن شبهة تعذيب هو حق وواجب قانوني ولا يمكن تجريمه أو محاصرته سياسيًا أو إعلاميًا.
نذكّر بأن حماية المبلّغين والمبلغ عنهم تُعد من ضمانات النزاهة القضائية، وأن أي تتبع يستهدف محامين أو نشطاء حقوقيين في مثل هذه الحالات يُعد انحرافًا خطيرًا عن مسار العدالة.

نطالب السلطات التونسية، القضائية والإدارية، بما يلي:




إن احترام كرامة الإنسان لا يتوقف عند أسوار السجن، بل يبدأ منها.
وإن بناء دولة قانون لا يتم عبر نفي الانتهاكات، بل عبر الاعتراف بها، والتحقيق فيها، ومحاسبة المسؤولين عنها.
الهيئات الدستورية المستقلة ليست أدوات تجميل، بل آليات حقيقية للمساءلة.
والمحاماة ليست جريمة، بل واجب في الدفاع عن المظلوم.
