المحكمة الدستورية في تونس: بين النص الدستوري والفراغ المؤسسي -
واقع صادم في عيد الإضحى: أكثر من 900 ألف عائلة محرومة من طقوس العيد
أكثر من 900 ألف عائلة عاجزة عن الأضحية: بين غلاء المعيشة وتقصير السياسات العامة
ملخص تنفيذي: تشير التقديرات إلى أن أكثر من 900 ألف عائلة تونسية تعجز عن اقتناء الأضحية لسنة 2025، بسبب ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية. يعرض هذا التقرير أبعاد الأزمة من منظور اجتماعي واقتصادي، ويقارنها بسياسات بلدان مجاورة لمواجهة الظاهرة.
في ظل غياب حلول هيكلية، الأضحية تتحوّل إلى رمز للتمييز الطبقي
تحوّل عيد الأضحى في تونس من مناسبة دينية جامعة إلى مرآة عاكسة للفوارق الاجتماعية والتدهور الاقتصادي، بعدما باتت الأضحية خارج متناول شريحة واسعة من المواطنين.
حوالي 900 ألف عائلة تتمتع بالمساعدات الاجتماعية ومنخرطة في برنامج الأمان الاجتماعي للفئات فقيرة وفئات محدودة الدخل ، وذلك بحسب بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية وتقارير رسمية منشورة خلال سنتي 2023 و2024.
تعود الزيادة المهولة في أسعار الأضاحي هذا العام، وفق تصريح رئيس النقابة التونسية للفلاحين، إلى تقلص أعداد القطيع وارتفاع أسعار الأعلاف بشكل غير مسبوق. حيث يتراوح سعر الخروف بين 920 و1800 دينار تونسي، وسط غياب آليات فعالة لضبط السوق.
باتت كلفة الأضحية تمثل عبئًا خانقًا، خصوصًا للعائلات محدودة الدخل التي لا يتجاوز دخلها الشهري المنحة الاجتماعية (260 دينارًا)، أو الأجر الأدنى المضمون الذي يقدّر بـ493 دينارًا للعمال في نظام 48 ساعة أسبوعيًا، و414 دينارًا في نظام 40 ساعة، أو ما يعادل 20 دينارًا يوميًا في القطاع الفلاحي، أي أن الخروف يعادل ما بين ثلاثة إلى سبعة أضعاف دخلها. حتى العائلات ذات الدخل المتوسط (حوالي 924 دينارًا)، تعاني من معضلة مشابهة، إذ تتجاوز تكلفة الأضحية دخلها الشهري الكامل، ما يحوّل المناسبة من طقس ديني إلى عبء نفسي واقتصادي.
تحليل الدخل وتكلفة الأضحية في تونس
جدول مقارنة بين الدخل وسعر الأضحية في تونس 2025:
الفئة |
الدخل الشهري (د.ت / دولار) |
النسبة مقارنة بسعر 920 د (≈295$) |
النسبة مقارنة بسعر 1800 د (≈600$) |
المنحة الاجتماعية |
260 د (≈87$) |
354% |
692% |
الأجر الأدنى (40 ساعة) |
414 د (≈138$) |
222% |
435% |
الأجر الأدنى (48 ساعة) |
493 د (≈164$) |
187% |
365% |
دخل متوسط |
924 د (≈308$) |
99% |
195% |
أسعار الأضاحي تتراوح بين 186% و435% من متوسط الدخل. أما من يعتمد على المنحة الاجتماعية، فهو بحاجة إلى ادخار أربعة أشهر متتالية دون إنفاق أي مبلغ آخر لاقتناء أضحية واحدة، ما يجعل هذا الطقس بعيد المنال لأغلب الفئات.
قصور السياسات الحكومية في مواجهة الأزمة
رغم إعلان وزارة التجارة عن إجراءات مثل تحديد سعر مرجعي (21.900 د/كغ حي)، وتنظيم نقاط بيع وتوفير مخزونات تعديلية، إلا أن هذه التدخلات لم تحقق نتائج محسوسة على أرض الواقع...
وفي هذا السياق، يُطرح سؤال جوهري: لماذا لا تلجأ الدولة إلى استيراد الأضاحي لتعديل السوق وكسر حلقة الغلاء؟
وفق ما صرّحت به وزيرة التجارة السابقة كلثوم بن رجب، فإن شركة اللحوم الحكومية غير قادرة على استيراد الأغنام بسبب وضعها المالي الحرج، نتيجة لتجربة التوريد الفاشلة من رومانيا سنة 2012، والتي كبّدت الدولة خسائرسيمة. وعلى الرغم من تعاقب الحكومات، لم يتم إصلاح الإطار المالي أو المؤسسي الذي يتيح للدولة التدخل في السوق عبر التوريد، في حين اختارت دول مجاورة، على غرار الجزائر، التحرك بجرأة عبر قرار رئاسي باستيراد مليون رأس ماشية لضمان وفرة الأضاحي بأسعار معقولة، أظهرت الدولة التونسية تردّدًا واضحًا في اتخاذ قرارات مماثلة، ما زاد من شعور المواطنين بالعجز والتهميش.
غياب التوريد يقابله ضعف في الإنتاج الوطني للماشية، ما يجعل العرض غير كافٍ لتلبية الطلب في فترة حساسة مثل عيد الأضحى، ويترك السوق في قبضة المضاربة والاحتكار. هذا الواقع يعكس هشاشة البنية الفلاحية والاقتصادية للبلاد، ويدعو إلى مراجعة جذرية للخيارات الاستراتيجية المتعلقة بالأمن الغذائي والسيادة الاقتصادية.
لم تعد الأضحية مجرّد عبادة، بل أصبحت مقياسًا للانتماء الطبقي والاجتماعي في بلد تتآكل فيه الطبقة الوسطى. ويشعر العديد من المواطنين بالحرمان ليس فقط من ممارسة الشعيرة، بل من الشعور بالمساواة والانتماء، وهو ما يهدّد السلم الاجتماعي والمواطنة المتوازنة.
📊 مقارنة إقليمية: الأضحية في تونس، المغرب والجزائر
تشير المعطيات الإقليمية إلى تباين واضح في التعاطي الرسمي مع أزمة الأضاحي. ففي المغرب، ألغى الملك شخصيًا طقوس الأضحية بشكل رسمي في في خطوة فُهمت كإشارة رمزية للعدالة الاجتماعية، وقد لاقت المبادرة قبولًا واسعًا من قبل المواطنين. هذا القرار أدّى إلى انهيار نسبي في السوق ووفّر بدائل تضامنية للفئات المعوزة، ما أبرز قدرة الدولة على التفاعل الرمزي والفعلي مع الأزمات الاجتماعية. أما الجزائر، فقد لجأت إلى تدخل مباشر عبر قرار رئاسي لاستيراد مليون رأس ماشية، مع تحديد سعر موحد للأضاحي المستوردة بـ40 ألف دينار جزائري، ما يعادل حوالي 906 دينار تونسي. هذه الإجراءات هدفت إلى تخفيف العبء على الفئات محدودة الدخل وضمان توفر الأضاحي بأسعار في المتناول. في المقابل، بقيت تونس في موقع المتفرّج، حيث اقتصرت السياسات على إجراءات شكلية لم تنجح في كبح جماح الأسعار أو توسيع دائرة الاستفادة من هذه الشعيرة، مما رسّخ الفجوة الاجتماعية وعمّق الشعور بالحرمان.
الدولة |
السعر التقريبي للأضحية (بالدينار التونسي والدولار الأمريكي) |
الأجر الأدنى الشهري |
نسبة تكلفة الأضحية |
ملاحظة |
تونس |
920–1800 دينار (≈295–600 دولار) |
414–493 دينار (≈138–164 دولار) |
186%–435% |
عجز حاد، لا يوجد توريد، إنتاج ضعيف |
المغرب |
4000–7000 درهم (≈1230–2150 دينار تونسي ≈410–717 دولار) |
3110 درهم (≈956 دينار تونسي ≈319 دولار) |
129%–225% |
الملك ألغى الشعيرة رسميًا ، والمجتمع قبل، ما أدى إلى انهيار السوق مؤقتًا |
الجزائر |
40.000 دج (≈906 دينار تونسي ≈302 دولار) للمستورد |
20.000 دج (≈453 دينار تونسي ≈151 دولار) |
200% |
تم تحديد سعر موحد للمواشي المستوردة بقرار وزاري |
المصدر: تصريحات رسمية لوزارات التجارة والفلاحة التونسية والجزائرية وتصريحات صحفية لرؤساء نقابات الفلاحين.
ملاحظة: تم اعتماد التحويلات بناءً على متوسط سعر صرف تقريبي لسنة 2025: 1 دولار أمريكي ≈ 3 دينار تونسي؛ 1 درهم مغربي ≈ 0.3 دينار تونسي؛ 1 دينار جزائري ≈ 0.02265 دينار تونسي.
خاتمة
أزمة الأضاحي في تونس لا تعكس فقط أزمة ظرفية، بل تفضح قصورًا مزمنًا في السياسات العمومية. الأضحية التي كانت تمثل رمزًا للتكافل الاجتماعي أضحت عنوانًا للتمييز الطبقي وغياب العدالة. والمطلوب اليوم ليس تبرير الأزمة بل مواجهة جذورها بقرارات جريئة تحمي الفئات المهمّشة وتستعيد دور الدولة الاجتماعي.
محمد الضاوي