قراءة في النتائج الأولية للانتخابات التشريعية 17 ديسمبر 2022


 

 مقاربات الرئيس تفشل في أول إمتحان

أصر رئيس الجمهورية عند صياغته للقانون الإنتخابي بأن المقاربات القديمة المتمثلة في الديمقراطية التمثيلية أثبتت فشلها ، ليس المهم هنا مناقشة هذه المسألة من عدمها ، بل ما يثير الاستغراب التعالي الذي يتحلى به الرئيس و مناصريه في حكمهم على نظام حكم ضارب في التاريخ بجرة قلم و من خلال " تعثر " التجربة الديمقراطية في تونس و ذلك نتيجة فشل طبقة سياسية و ليس نظام الحكم و هذا الخلط الذي سقط فيه الرئيس و مناصريه

و بالتالي خير الرجوع الى نظام لإنتخاب على الأفراد في دوائر ضيقة وهو نظام أخر يتم العمل به في بلدان لها وعي وتاريخ سياسي و ديمقراطي عريق على غرار فرنسا وبريطانيا ، و باعتبار النزعة القانونية طاغية على الرئيس و على العقل السياسي عامة في تونس منذ الإستقلال الى اليوم فإنه عادة ما تتخذ النصوص دون دراسة للواقع السوسيولوجي و الديمغرافي للمجتمع ، و بالتالي فإن النتيجة جاءت معاكسة لما روج له و ظهرت الأرقام التي صرحت بها الهيئة العليا للانتخابات كخلاصة عامة لكون الفرد غير قادر على الإقناع أولا و التغيير بمفرده ثانيا كما أن الديمقراطية هي فعل جماعي بالأساس

الديمقراطية تحتاج ديمقراطيين و مناخ ديمقراطي

إختار الرئيس بأن يذهب في مساره بطريقة أحادية ، فردانية ضربت عرض الحائط كل مكونات الشعب التونسي من أحزاب ، منظمات وطنية ، و مكونات المجتمع المدني جامعا إياها كلها في سلة الفساد و المحسوبية ، و جعل نفسه مخلصا للشعب من هؤلاء دون أن يتوجه للشعب لما يريد أن يفعله ، لتفاجئ جميعا في كل مرة بمرسوم جديد يضع الجميع أمام الأمر الواقع . ليتم التوجه فيما بعد لانتخابات تشريعية لمجلس دون صلاحيات ، ضبطت صلاحياته في دستور غير ديمقراطي صيغ على المقاس ، و في وقت تحتد فيه الأزمة الاقتصادية يوميا ليجد التونسي نفسه أمام حتمية البقاء و مواجهة معاناته اليومية دون أن يتبقى له مجهود فكري أخر النهار ليفكر فيمن هو الأكثر قدرة على تمثيله و بالتالي إختار مقاطعة العملية برمتها، لأنه باختصار لم يتم تشريكه فيها من الأول

تونس أمام خطر حقيقي أكثر من أي وقت مضى

 تعكس الأرقام الأولية المصرح بها من قبل الهيئة العليا المستقلة الهوة التي تتسع يوما بعد يوم بين الشعب التونسي و مختلف الطبقة السياسية الموجودة على الساحة بمختلف توجهاتها و خلفياتها الإيديولوجية ، و مدى نفور الشعب التونسي لواقعه السياسي و الاقتصادي ، و فقدانه الأمل في كل عملية تغيير مستقبلية حيث تتعزز هذه القراءة عندما نرى الأرقام المفزعة للهجرة الشرعية و الغير الشرعية ، بما يوحي بأن تونس أصبحت بلدا غير قادر أولا على إفراز طبقة سياسية قادرة على طرح المشاكل الحقيقية و تصور حلول لها ، " حيث أن الجيل الحالي من السياسيين ورث امراض نقابية منذ أن كانوا طلبة أو متحصنين باتحاد الشغل زمن ديكتاتورية بن علي و بالتالي فإن هؤلاء السياسيين مارسوا السياسة من أجل المعارضة و ليس للحكم ، لذلك نجد غيابا تاما لبرامج اقتصادية و اجتماعية فعلية.. و لا تعدوا تصريحاتهم أن تخرج عن دائرة التخوين و السب و الشتيمة

ثانيا، بكون تونس تعرف أزمة سياسية مرجح من أنها ستتواصل ، و هي الأكثر حدة من سابقاتها لأننا كذلك أمام أزمة اقتصادية خانقة إن تواصلت فهي تنذر بانفجار اجتماعي ، لا سيما و أن تونس اليوم مرهونة لدى المانحين الدوليين ، إذ بعيدا عن الشعوبية التي تجتاح المشهد ، فإن تونس اليوم تحتاج قروض لتأمين احتياجات شعبها من مواد أساسية ، و بالتالي فإنه في ضل تواصل الأزمة السياسية ، فإن مصداقية الدولة التونسية ستتواصل في الإنحدار بما سيعطل المصادقة على القروض من طرف المانحين ، و لعل مثال صندوق النقد دليل في ذلك . و في غياب بديل تنموي قائم على القطع مع سياسة الاقتراض و بالتالي الارتهان ، نتساءل فعلا عن مستقبلنا و مستقبل الأجيال القادمة في هذا البلد ؟


اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى النشرة الإخبارية لدينا واحصل على التحديثات في صندوق البريد الخاص بك. لن نرسل إليك بريدًا عشوائيًا ونحترم خصوصيتك