أزمة النفايات في صفاقس : إلى متى ؟


تثير صور النفايات المتراكمة على أرصفة الشوارع و الأنهج في صفاقس احتقان المتساكنين و عموم المواطنين التونسيين مما فتح وعيهم على واجهة جديدة للحقوق و هي الحقوق البيئية و العيش في مناخ سليم .
الى جانب الأزمات المركبة التي تمر بها تونس سياسية، اقتصادية و اجتماعية، تتقدم اليوم الأزمة البيئية التي نعيشها تقريبا في مختلف مدن الجمهورية، و لئن شاهدنا سابقا تحركات بيئية مناهضة للتلوث في ولاية قفصة و قابس، إلا أن الأزمة التي نحن بصدد معاينتها في صفاقس عرفت أطوارا يبدو أنها لن تغلق في القريب العاجل مما يفتح المجال لنا للتساؤل حول تعاطي سلطات الإشراف مع المشاكل البيئية، و هل فعلا تونس لها سياسة بيئية ؟ أم أنها كغيرها من المسائل تأجل الى ما لا نهاية ؟
تذكير بأطوار القضية:
سنة 2008 صادق المجلس البلدي بعقارب من ولاية صفاقس على إنشاء مصب مراقب "
مصب القنة " تدوم مدة صلاحية استغلاله 5 سنوات و يذكر بأن هذا المصب هو ثاني أكبر مصب في الجمهورية .
 سنة 2013 بدأت تتشكل مظاهر الأزمة من خلال احتجاج أهالي عقارب على عدم غلق المصب والأثار الجانبية التي بدأت تتصاعد خاصة وأن نفايات مصنفة خطيرة كالنفايات الطبية والمرجين ) مخلفات عملية عصر الزيتون و هو مصنف ضمن النفايات الخطيرة نظرا لما يشكله من خطر على التربة ( .
لم تلتفت الدولة لتعهداتها بل واصلت استغلال المصب مما أثار حفيظة مواطني الجهة.
سنة 2017 : تم إطلاق حملة " مانيش مصب " من قبل مواطني عقارب ، احتجاجا على تردي الأوضاع البيئية في جهتهم و على تجاهل سلط الإشراف لمطالبهم .
سنة 2019 : أصدرت محكمة الناحية بعقارب التابعة لولاية صفاقس يوم11 جويلية 2019، حكما يقضي بالتوقّف الفوري عن استعمال مصبّ "القنة" لتجميع الفضلات نظرا للأخطار التي يمثّلها على صحة المواطنين وتكريسا لحقهم في التمتع ببيئة سليمة، وذلك حسب الفصلين213 و214 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية وما ينص عليه الفصل 45 من دستور 2014.
 حيث ينص الفصل 214 من مجلة المرافعات المدنية و التجارية على أنه " يكمن للحكام المذكورين " اي في الفصل 13 رؤساء المحاكم الابتدائية و حكام الناحية " في غير تلك الحالات و بشرط وجود خطر ملم أن يصدروا أذون على المطالب في إتخاذ جميع الوسائل لحفظ الحقوق و المصالح التي يمكن أن تبقى بدون حماية و ذلك حسب القواعد الاعتيادية لمرجع النظر ".
لكن سلطة الأشراف تجاهلته مواصلة استغلاله بعد قرار وزارة البيئة في نوفمبر 2021 أين اشتدت الاحتجاجات في الجهة لتطرح معها أزمة مركبة وضعت السلط الجهوية و الوطنية أمام احتجاجات في عقارب تدعو الى غلق المصب و كذلك سخط شعبي في صفاقس مطالب بتحمل الجهات الراجع لها النظر لمسؤوليتها و رفع الفضلات لأن الأمر أصبح يشكل خطرا صحيا و كذلك والأهم أمام مشكل التصرف في النفايات الأمر الذي عكس مدى ضعف سياستنا في التصرف في النفايات .
هل لدي تونس سياسة بيئية ؟
نصوص قانونية متناثرة :
تمت دسترة الحقوق البيئية سوى في دستور 2014 من خلال الفصل الفصل 45 -الذي نص على أن " تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي. نفس النص تم إعادة صياغته في الفصل 47 من دستور 2022.
الى جانب الدستور الذي يمثل أعلى نص ضمن الهرم القانوني،
توجد نصوص أخرى تهم النفايات خاصة نذكر أهمها:
 قانون عدد 41 مؤرخ في 10 جوان 1996 يتعلق بالنفايات وبمراقبة التصرف فيها وازالتها.
أمر عدد 56 لسنة 1985 مؤرخ في 2 جانفي 1985 يتعلق بتنظيم تصريف النفايـات في المحيط.
أمر عدد 2339 لسنة 2000 مؤرّخ في 10 أكتوبر 2000 يتعلّق بضبط قائمة النفايات الخطرة.
الى جانب عدة نصوص متعلقة بالنفايات والتلوث والتي وردت تباعا في عدة مجلات قانونية : كمجلة الغابات، مجلة المياه و مجلة التهيئة الترابية و التعمير.
الهياكل الإدارية المتدخلة في موضوع النفايات والتلوث:
-وزارة البيئة
-الوكالة الوطنية لحماية المحيط ، و المنظمة بمقتضى قانون عدد 91 لسنة 1988مؤرخ في 2 أوت 1988 و الذي يعتبر الإطار التشريعي الأكثر أهمية للبيئة في تونس.
-الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات : أحدثت بموجب الأمر عدد 2317 لسنة 2005 المؤرخ في 22 اوت 2005.
- الوكالة الوطنية لحماية و تهيئة الشريط الساحلي.
على الرغم من وجود نصوص قانونية و هياكل إدارية متمثلة في وزارة و وكالات، إلا أن المشكل البيئي لا يزال بعيدا على مستوي التطلعات و عالقا لا يجد إجابة لحله. إذ أن السياسة التشريعية البيئية في تونس تمتاز بالتشتت وغياب قانون جامع للبيئة سوى من خلال قانون أساسي أو مجلة تعنى بالبيئة. هذا الى جانب ضعف الهياكل المختصة وعدم تجانسها ببعضها البعض مما يؤدي الى ضعف التدخل الموحد والفعال عند الحاجة وغياب تطوير الرؤى البيئية والبقاء ضمن مقاربات وضعت في الستينات والسبعينات لم تعد تواكب التطور الحاصل في تونس ومن أبز مظاهر ما تحدثنا عنه هو مواصلة الحديث عن المصبات في حين أن الأهمية اليوم تكمن في طرح السؤال : كيف نتصرف في النفايات و نثمنها ؟
مشكل أخر ينضاف وهو غياب الوعي البيئي لدي الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني، فبالرغم من أن النضال البيئي بدأ يتشكل مؤخرا في تونس، إلا أنه لا يزال دون المستوى المطلوب وذلك لصعوبة التقاضي البيئي وعدم وجود ما يعبر عنه بالتشبيك البيئي، و كذلك غياب تخصص فعلي في القضايا البيئية، وانعدام فقه قضاء بيئي يمكن الارتكازعليه .

اشترك في النشرة الإخبارية

انضم إلى النشرة الإخبارية لدينا واحصل على التحديثات في صندوق البريد الخاص بك. لن نرسل إليك بريدًا عشوائيًا ونحترم خصوصيتك